ليبيا من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية تأليف. محمد يوسف المقريف
ليبيا من الشرعية الدستورية إلى الشرعية الثورية تأليف. محمد يوسف المقريف
مصطلح " الشرعية " يعني وفقاً لفقهاء القانون الدستوري وشرّاحه، " سيادة القانون "، أي خضوع كافة الحكام والمحكومين في الدولة لأحكام القانون. غير أن هذا ليس إلا جانباً واحداً من معاني الشرعية وهو الجانب الشكلي أو القانوني. أما الجانب الآخر لمعنى ومغزى هذا المصطلح ولعله الأوسع والأعمق فيوضحه المفكرون السياسيون والباحثون في مجال فلسفة السياسة والحكم [1] . فالمفكر السياسي الشهير " ماكس ويبر " مثلا ً يعتقد بأن: " اقتناع الشعب بأحقية السلطة وجدارتها هو جوهر الشرعية ومغزاها. ولا تغني عن هذا الاقتناع كلُ أشكال السطوة والرهبة والنفوذ، حتى ولو أحاطت هذه السلطة نفسها بعشرات الدساتير والقوانين. " ويقول المفكر ديفيد ايترن في المعنى ذاته: " قد يقبل المواطن بسلطة الحكم عليه لألف سبب وسبب، ولكن الشرعية هي أن يجد المحكومُ أن من المقبولِ عنده والمناسبِ له، أن يطيع متطلبات النظام السياسي القائم، إذ يجد أنها تتسقَ مع قيمه ومبادئه وأخلاقه وأمانيه. ذلك ليس لمنفعة شخصية مباشرة له، ولكن بمعنى المنفعة العامة وعلى المدى الطويل. " ويضيف باحث آخر في مجال التعريف بالشرعية: " الشرعية هي أوسع من التأييد أو المعارضة. فقد يكون هناك من يعارض السلطة، وقد يتذمر الناس من بعض قراراتها وسياساتها. ولكن هذه أمور طبيعية بل حتمية. وهي لا تنفي الشرعية طالما شعر المواطن أن السلطة في توجّهها العام، سلطة وطنية، منطقية مع التاريخ الوطني، ومخلصة بشكل إجمالي لإرادة الشعب وللقيم العامة التي تربط أبناء الوطن الواحد بعضهم ببعض. " ويؤكد مؤلف آخر أن مجرد بقاء واستمرار نظام في الحكم لا يعني أن سلطته شرعية ويضرب لذلك مثلا ً بالاحتلال الأجنبي. فيقول: " قد تحتل دولة من الدول دولة أخرى، وقد يستمر الاحتلال مائة عام أو أكثر. ولكنّ مجرد الوجود في السلطة هذا الزمن لا يجعلها شرعية، لأنه لا يُتصور أن يكون هناك احتلال ما يتفق مع رغبة الناس ويعبّر عن إرادتهم ويترجم أمانيهم ولو بأضعف المعاني. إنه وجود بحكم " القوة " لا بحكم " الرضا "، إنه " استمرار " لا " استقرار "، أنه " اغتصاب " للسلطة وليس " تفويضاً " بها. " وينبّه أحد الباحثين في هذا الموضوع إلى أن بعض مغتصبي السلطة بالقوة قد يلجأون إلى إحاطة أنفسهم بكل " أشكال الشرعية " عن طريق إقامة برلمان وإجراء انتخابات وإصدار قوانين وتشريعات. ولكن كل هذه تبقى ستائر تخفي عدم الشرعية ولا تحلّ محلّ الشرعية. فالقانون ليس أي ورقة عليها توقيع الحاكم. القوانين أحكام خارجة من ضمير الناس، معبرة عنهم في الأساس. وما عدا ذلك فهي قوانين لا تساوي شيئاً في ميزان الشرعية أكثر من ثمن الحبر الذي كتبت به. إذن، فيمكننا أن نخلص إلى القول بأن الشرعية هي معيار مستمد من " نظرة الرعية إلى السلطة "، وليست مستمدة من طريقة وجود السلطة أو الأسلوب الذي سلكته للوصول إلى الحكم .. إن الشرعية هي غير " القانونية " وغير الأشكال الدستورية وحدها .. وبالطبع فهي شيء غير السطوة.. وإن شرعية السلطة توجد إذا كانت السلطة تمثل الإرادة العامة للأمة، والعقل العام والمزاج العام بنسبة كبيرة، تشارف الأغلبية، في المجتمع .. " إن الشرعية في النهاية هي الإنسجام بين الحاكم والمحكوم .. وهي كيف يشعر المواطنون تجاه الحكم القائم لديهم؟ هل يشعرون أنه يمثلهم، يناسبهم، ينتمي إليهم ؟ إذا كان الأمر كذلك فالحكم شرعي .. أما إذا كان المواطنون يشعرون بالغربة مع نظام حكمهم، ويشعرون بعزلة عنه، وبانقطاع الصلة بينهم وبينه .. إذن فهو حكم لا شرعية له. نوع الكتاب: مجلّد 933 صفحة الناشر: دار الاستقلال - مكتبة وهبة