الحب في المنفى – تأليف: بهاء طاهر
الحب في المنفى – تأليف: بهاء طاهر
ردمك: 9789770924082
دار النشر: دار الشروق
سنة النشر: الطبعة 8 - 2021
عدد الصفحات: 308
نوع الغلاف: غلاف عادي
في ساعة الظهيرة، في فسحة الغداء التي تتخلل يوم العمل الطويل لمن يعملون كنا نجلس معا. نشرب القهوة، تحدثني عن نفسها وأحدثها عن نفسي، ويقربنا الصمت أكثر عندما نتطلع عبر زجاج المقهى إلى ذلك الجبل المستطيل المتعرج، الرابض على ضفة النهر الأخرى كتمساح طويل الذيل، ولكنى لما بدأت أشتهيها أصبحت ثرثارا. كنت أتحصن وراء جدار الكلمات لكيلا أفتضح، تتدافع كلماتي الفارغة جرارة ومسلية ومتتابعة، مثل شرنقة دودة عراها جنون الغزل فلا تستطيع أن تكف. لعلى -وكيف الآن أدرى؟- كنت عن غير وعى أغزل من خيوط الكلمات شباكا حولها. وكانت هي تتطلع إلى بعينيها الجميلتين، تتسع العينان وهي تبتسم وتسألني: من أين تأتى بكل هذا الكلام؟ صنعتي أنا أن أتكلم فكيف تفوقت على؟ ولكنى في تلك الظهيرة لم أستطع، تبعثرت خيوط الكلمات وتمزقت، حلت فجوات طويلة من الصمت كنت أنظر خلالها ساهما إلى النهر. وجلست هي منكبة على فنجان قهوتها الفارغ تديره في الطبق، لا أرى سوى هالة شعرها الكثيف وأنفها البارز المستقيم. وكانت ترفع رأسها فجأة، تنظر إلى حين أسكت وتقول أكمل.. أكمل.. ولكن الكلمات لا تكتمل. وخارج المقهى سرنا إلى حيث أركن سيارتي.. سآخذها مثل كل يوم حتى باب المكتب الذي تعمل به، أتركها وأتظاهر أنا أيضا أنى ذاهب إلى عمل، ولما وصلنا إلى السيارة قالت أريد أن نمشي قليلا هل لديك مانع؟ مشت بجانبي بطيئة على غير عادتها، ولم نكد نتحرك خطوات حتى توقفت وقالت بصوت حازم: اسمع لا أريد أن أراك بعد اليوم. سامحني ولكن يحسن ألا نلتقي. أظن أنى أحببتك وأنا لا أريد ذلك. لا أريده بعد كل ما رأيته في هذه الدنيا. وكنت أعرف ما رأته في هذه الدنيا فسكت لحظة وقلت كما تشائين. وراقبتها وهي تبتعد عنى بخطوات مسرعة، ولكن تلك لم تكن هي البداية.